مئة فاسد ومُرتشي
التهمة : التسبّب في مقتل أكثر من 2000غرقا في سيول جدة على مدى سنتين متتاليتين
الحكم : براءة
—
د. عبدالله الحامد ود. محمد القحطاني
التهمة : المطالبة بحقوق الشعب بدستور مُنتخب يمثله برلمان مُنتخب من الشعب , الرقابة على المال العام
الحكم: السجن 11سنة
—
لم أقصد في المقارنة الفائتة أن أوّضح حجم الظلم والفرق الواضح في التعاطي لسبب بسيط لأن هذا الكلام فات آوانه وحتى الطفل
قادر على استنتاج هذا الظلم ..
ولكني أريد أن أفنّد آراء بعض المحاميين والحقوقيين والمثقفين وحتى بعض المتنورّين للأسف الذين راحوا يبرّرون هذه الأحكام
الجائرة بكذبة كبيرة مضحكة وهي ” القانون” فالكل علم أن التهم الموجهة للأصلاحيين كانت تهم عائمة وملّفقة لاتقوم على دليل
مادي بل على تفتيش للنوايا مثال : إثارة الفتن , الخروج على الحاكم , الإفساد في البلد الخ من خزعبلات وعّاظ السلاطين, ولكن
أحببت أن أرد على العقلاء ممن متمسكين بفكرة إستحقاق الأصلاحيين للسجن لأنهم خرجوا عن القانون :
1-القانون الذي إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف قطعوا يده وهذا مالايمكن إنكاره في حادثة سيول جدة وغيرها
هل هذا القانون يمكن الثقة بعدالته؟
2-مطالب الأصلاحيين كانت متمثلة وبأساسها على إستقلال القضاء وإنشاء دستور مُنتخب تُصاغ فيه قوانين البلد, والأكثر متفق على
ضرورة ذلك بمعنى أنهم متفقون بأن قضاءنا ليس مستقل وليس لدينا قوانين ثابتة بل هي قوانين مُفصلّة على مقاس ومصلحة الحاكم
فكيف يمكن التسليم والتبرير لقانون وقضاء هو أصلا غير نزيه ؟
3-هل الحقوق الإنسانية عندما تُنتهك ويُحرم من ممارستها الإنسان نحتاج لقانون يسمح أو لايسمح بالمطالبة بها؟ سمعت كلاما غريبا
يقول :مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية ممنوعة قانونا في بلدنا لذلك يستحقون الحكم لأنهم خالفوا النظام !!
عندما يكون بلدك محكوم بقوانين قمعية تصل إلى منعك من ممارسة حقك سلميا هل تنتظر القانون يسمح لك بهذا؟
وإذا لم يسمح لك القانون لمصلحة الحاكم هل أسكت عن حقي الإنساني في تغيير هذا القانون الذي يقمعني أو أكون متهم ؟؟
منذ متى الحقوق الإنسانية في المشاركة السياسية والمطالبة بالحقوق تخضع لمزاجية الحاكم إن رضي سمح لي وإن لم يرضى يسجنني
4-القانون الذي تستندون إليه لتبرير الظلم من وضعه ؟ هل الشعب مشارك فيه؟ هل اُخذ رأي الشعب فيه؟ طبعا لا إذا كيف أُحكم
بقانون لم أُستفتى عليه ولا أعرف ماهو أصلا؟
5-هذه القوانين المفصلّة ليست قرآن فإذا رأى الشعب أنها تظلمه وتقمعه فله الخروج على هذه القوانين وتغييرها , فكل دساتير
العالم تُغيّر عدة مرّات وطبعا يُستفتى الشعب فيها .
6–ماهو النضال السياسي؟ بمفهومي أنه المطالبة بالحقوق الإنسانية المتفق عليها دوليا متمثلة بالمشاركة السياسية وحق التعبير وحق
الإعتراض بالوسائل السلمية, والإصلاحيين ببساطه عملوا البديهي الذي يُعمل وهي المطالبة بتغيير هذه القوانين الجائرة السالبة لحق
الشعب بدستور يُستفتى عليه ! والمفارقة المضحكة أنهم سُجنوا بهذه القوانين التي هم يناضلون ضدها والمفارقة الأكبر أن البعض
يستشهد بتلك القوانين !!
7–ماهو التغيير ؟ أليس هو التمرّد على الأوضاع القائمة ونحن كشعب نريد تغيير الأوضاع القائمة المتمثلة بقوانين وسلطات بيد
الحاكم لوحده مفصلّة على مقاسه يقابلها قمع ومنع وكبت للشعب ,فكيف نقبل بحكم قانون وقضاء نريد تغييره لأنه ثبت فساده ؟!
—–
قبل أن أختم هذا المقال أقول برغم السواد والحزن الذي خلّفته الأحكام الجائرة ماهو إلاسواد ظاهر في باطنه بياض أمل مشرق آتي
فهؤلاء الشجعان كانوا أذكى من الطغاة كثيرا فنضالهم كان أساسه واحد وهو ” الوعي “ لم يرفعوا سلاح ولم يدعوا إلى تخرّيب بل
اعتمدوا على فكرة استنفار الوعي لأن التغيير لايأتي إلا بطريق واحد فبالوعي يتحقق التغيير الإجتماعي والسياسي والإقتصادي وحتى
الكون لم يتمكن الإنسان من تسخيرّه إلا بالوعي .. لذلك قال بول كارت : ” التاريخ يبدأ بتدّخل الوعي في مجرى الطبيعة “
وقال جان جاك روسو ” ليس الظلم مايحرّك الإنسان بل الإحساس بالظلم “ ومانراه ونلمسه بوضوح هذا التعاطف الجارف والشعور
بعدالة قضيتكم ولم يكن ذلك إلا عندما نجحتوا باستنفار الوعي بين الشعب ..
يقول الكواكبي العالم الثائر الذي قتلوه سُمّا لأن الطغاة خافوه بسبب كتبه التي استنفرّت الوعي لدى الأمة : إن فشل ثورات آل بيت
رسول الله على الخلافات الفاسدة ” الأموية والعباسية” عدم وجود البوسطة “...
وكأن هذا العبقري وهو فعلا يتنبأ بثورات الألفية الثالثة التي لم تكن بسلاح بل كانت ” بوسائل الوعي وهي التواصل الإجتماعي
إذاً يقول لنا الكواكبي أننا لدينا كنز ثمين كانوا يفقتقدونه وهو سرعة نقل المعلومة وسهولة إنتشار الوعي التي هي سلاح فتّاك في
التغيير , ورأينا هذا في الثورات , ونراه الآن نحن بشعبنا وإن كان يخطو الخطوات الأولى ولكنه يتقدّم ولن يتراجع ..
أطمأنوا أيها الشجعان فعقارب الساعة لن ترجع لوراء نضالكم هذا مستحيل بل سنواصل ماأنتهيتم عنده لأننا فهمنا رسالتكم ..
ومضات :
-يقول القاضي حماد العمر : لو جاء رجل وأخذ الحكم بالسيف فتجب طاعته ولوكان عبدا حبشي .. “ يعني لو قدّر الله للإثيوبيين
المتروكين يعيثون الجرائم في الجنوب واحتلونا هل ستقول لهم سمعا وطاعة ؟ وهل ستأمرنا بعدم مواجهتهم ؟؟!
-وتكرارك لأحقية الحكم لمن أخذه بالسيف الأملح هل هي دعوة للعنف بدلا من النضال السلمي الراقي الذي سجنت الإصلاحيين
بسببه ؟!
– إبتسامة الحامد تقول لنا : لن تذهب سنوات عمري ورفاقي في السجون هباءاً لأنني أعلم أن مخزون الوعي الذي نشرناه سينتج
التغيير لا محالة ..